ما هي الحياة؟

 

للواحد وجوه كثيرة، منها ثمة وجوه صعبة، مستغلقة على الفهم، لكنها جميعها تظل مجرد وجوه، لشيء ما أصيل، يختبئ خلفها- جدران. لكن، ما الحاجة إلى الجدران؟

يدّعي العِلم؛ أننا نتوارث “جينياً” سعادتنا/ شقائنا/ (لا أثق كثيرًا في العلم- كونه منتج بشري)
صفاتنا/ 
كذلك ربما حاجتنا لبناء الجدران هذه…

يروي التاريخ (عبر زاوية لديها كثير من الرواد) – في رواية مختلفة جملة وتفصيلًا عن الرواية الأكثر رواجًا اليوم- أن للبشرية أب وأم، وأننا جميعًا ننحدر من نسل العائلة الكريمة هذه، وللوالد العزيز وحرمه حكاية؛ ما يهمنا فيها، هو ذلك الجزء المرتبط بالخطيئة التي هبطت بنا من الفردوس الأعلى إلى الأرض؛ حيث عوقب الوالد العزيز وحرمه بالشقاء الأبدي.

ثمة روايات مختلفة داخل الرواية الواحدة، فيقال في إحداها إنه حين سمع الوالد للسيدة المصون، وأخذ منها، وعمل بكلامها، انكشفت له عورته، ولم تكن عورته هي الخطيئة التي قام بارتكابها، بل أنه نظر إلى نفسه، ورأى، كما لو أنه لم ير من قبل، هذا الشيء، ورأى في المقابل الشيء المماثل له، ولم يكن مماثلاً، وكان ثمة شيئان أعلى الشيء الذي لم يكن شيئًا مماثلًا للشيء الذي رأى. وحين رأى ما رأى، ورأتْ في عينيه اثار ما رأى:

فكّر الوالد- ولم تفكر الوالدة. لم يفكر في الخطأ، إنما فكّر فقط فيما رأى، وكان نتيجة ما فكّر به أنهما: 
“طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة”.
ربما هكذا ظهرت أولًا الحاجة إلى الإختباء- الأوراق، وربما تطورت الأوراق إلى وجوه،
وربما صنعت الوجوه: الجدران.

الجدران كنتيجة رغبة في الاختفاء- الهروب من الخطأ بإيجاد خطأ بديل- إقناع الرأس بإجراء تعديل صغير على “عار” لتصبح “عورة”. باستخدام هذا التكنيك، مارس الإنسان أول عملية خداع للذات في تاريخه، أول عملية إلهاء ذكية، وممنهجة، وهكذا…. توارثنا الأوراق/ الوجوه/ الجدران حتى استحالت جميعها إلى شيء طبيعي؛ نولد، ونعيش، ونموت به، شيء نحمله جميعًا بداخلنا، ونستخدمه (بدرجات متفاوتة) لإخفاء خطأ في الأصل. وبذلك فالأصيل ليس صحيحًا مائة بالمائة، لكنه في الأصل خطّاء، ومختل، والإنسان لا يقبل حقيقته هذه، تزعجه الصورة- لأنه لا بد للصورة أن تكون الثمن الذي يعوضه عن ذلك العقاب الأبدي (الإنسان كظل للإله على الأرض- هذه صورة حسنة)- فيبني جدارًا. ويجد طلاء مناسبًا للجدار، يُوجِد اللغة، ويستخدمها بطريقة مناسبة، فيصبح مختالاً (عوضاً عن كونه مختلًا). ألفٌ أقامها من وراء جدار. ألفٌ، ووجهٌ، وجدارٌ تم توارثهم لإخفاء خطأ في الأصل.. لكن، ما الحاجة إلى المعرفة بالأصل؟

 

إليكم فكرتي: لنستخدم الوجوه.

ولننزع عن أنفسنا هذا الشغف (الأنثوي) بسبر أغوار كل مجهول.

قاعدة بسيطة: كل مجهول هو غير حقيقي. لا وجود له. فكرة في الرأس الخرب.

فكرة ربما ليس على الواحد إلا دحضها.. هكذا.. ببساطة.

ما العالم؟ غير مجموع أفكار وخيالات. اللون ربما يكون فكرة. الصورة أيضًا ربما تكون كذلك.
من أين لك هذا اليقين بأنك أنت هو أنت، على الصورة التي ترى نفسك عليها؟
لماذا تبدو شديد الثقة في كونك ذو هيئة؟ من قال أن ثمة جسد لك؟ من قال أن ثمة عينان و…

التصور دائمًا هو ناتج فكرة ما، واتفاق الأغلبية حول فكرة ما لا يعني بالضرورة صحتها .

الديمقراطية كنموذج: التاريخ مليء بالأمثلة السيئة. هذا يدعو للشك.

تظن أنك لديك الوقت، لتبرهن على خطأ فكرتي، لكنك تفتقر إلى القاعدة، لتسأل نفسك أولًا: ما الوقت؟

إن كل مجموع ثواني جدير بالعد والحساب لهو هذه الثواني التي نتذوق فيها حلاوة ثمرة اكتشاف ما.

إهدار هذا المجموع في اكتشاف فكرة جديدة حول جمال مختبئ في ثنايا قصيدة/ مقطوعة موسيقية/ صورة من الطبيعة/ الفن أفضل كثيرًا من إهداره في محاولة اكتشاف بشر جديدين، لهم وجوه مورثة، ومساوئ وعورات خالدة.

 

يقول اللامطمئن في واحدة من لحظات ظفره:

“حين نقرأ.. نتوقف عن العيش، فليكن هذا موقفك. توقف عن العيش، واقرأ.

ما هي الحياة؟”.

 

 

لنمجد هذا الظفر، وليكن هذا موقفنا. ما هي الحياة؟

 

 

 

 

(العريش- 8 أكتوبر 2020)

Leave a comment