الملتصقون بمقاعدهم كما لو كانوا إمتدادًا لها

إنه يحلم بأن يكون واحدًا من ضمن هؤلاء، لكنه لا يعرف شيئًا عن الكيفية التي تضمن له دخولًا آمنًا

كان قد جرب الأمر من قبل مرات عدة، وكان يقوم حينها بأشياء لطيفة، ولم يكن يعرف بالتحديد أن الأشياء اللطيفة تلك كانت أشد ما يثير رعب هؤلاء. إنهم أشخاص قلقون بطبيعة الحال، وهو ليس لديه أدنى فكرة عن طبيعة قلقهم هذا

لم يتردد، حمل نفسه إلى الداخل، وتظاهر بالتفاعل مع الموسيقى فور دخوله، إنسجم، ورقص، وسط دهشة من هؤلاء- الجامدين في أماكنهم، الملتصقين بمقاعدهم كما لو كانوا إمتدادًا لها

تناول هاتفه، إلتقط صورة لنفسه، رفقة جاره، الذي أزعجته كثيرًا الحركة، لاحظ على الفور،تردد للحظة، لكنه سرعان ما استعاد الهدف ” إنه يريد أن يكون واحدًا من ضمن هؤلاء”، تفاعل مع الموسيقى والعازفين في الخلف أكثر من أي وقتٍ مضى، تناول علبة الدخان بانفعال شديد، وأخرج منها ثلاث سيجارات، أخذ واحدة، و ناول اثنتان إلى العازفين في الخلف، هكذا عبَّر عن حماسته للعرض، لاحظ انقطاع العزف بسبب حركته المفاجئة

صرخ في العازفين بصوت حدد مساحته “واصلوا! أرجوكم! واصلوا العزف”، عاد إلى مقعده، وطلب “واحدة مثل هذه”، فكَّـر أنه ليس مهمًا أن يحظئ بشيء حلو المذاق، كان آخر ما يشغله المذاق، ذكّر ذاته بالهدف، وتجرع ما طلب في جَـلَد

حملق في الوجوه من حوله، وكان يجرحه السؤال
“لماذا لا أستطيع أن أكون واحدًا من ضمن هؤلاء؟”

فقد صبره كله مرة واحدة. وقرر إنهاء العرض. تناول كيسًا من أسفل قدميه، وأفرغ ما به على الطاولة. أثار رعب الجميع من حوله، كانت ملابس للأطفال، أراد عبرها أن يمرر رسالة ما، ربما للجار، ربما للجمع المرتعد، ربما لنفسه لا أكثر ولا أقل

رتب الملابس بعناية، عقد حاجبيه كما لم يفعل من قبل، ودس علبة الدخان في الحذاء، تناول هاتفه، وحملق لمرة أخيرة في الجمع الجامد، الجمع الثرثار، الجمع المنتمي لبعضه البعض بطريقة يمكنها أن تجرح، رمق الجميع بنظرة حادة، ربما كانت نظرة متوعدة، دس هاتفه أسفل حزام الخصر بتلقائية لافتة للنظر، توجه ناحية الباب الزجاجي، وقال
:حينذاك للعازفين في الخلف

“يمكنكم أن تتوقفوا”


.ألقى السلام.. وخرج من المشهد

الاسكندرية- ابريل 2019

Leave a comment